الرواية الجديدة قراءة في المشهد العربي المعاصر

الرواية الجديدة قراءة في المشهد العربي المعاصر

يوضح مؤلف الكتاب، الناقد د.محمود الضبع، أن الموضوع في الرواية الجديدة لم يعد محتفياً بالقضايا الكبرى السياسية والاجتماعية، أو قضايا الإنسان مع المرأة والحب، أو قضايا التاريخ، أو غيرها من ما أبدعته الرواية العربية في القرن العشرين، وإنما حدث تحول مركزي في مفهوم الموضوع ذاته، فلم تعد سيرة حياة الإنسان هي الموضوع، وإنما أصبح الوعي بالإنسانية والإنسان وتصوير ضعفه وانهزاماته هو الموضوع، فهذا الواقع هو مع حال إنسان الألفية الثالثة بكل ما يحمله من توترات تهدد وجوده، وصراعات تتحكم في مساراته، وعولمة تطارده أينما حل أو ارتحل، فباتت موضوعات: الاستيطان النفسي، رصد علاقات البشر الداخلية، علاقة الإنسان بنفسه وعلاقته بالآخر، اعتبار الرواية مصدراً وسبيلاً للوعي، القضايا الأكبر لكثير من الروايات.
ويكشف المؤلف عن أن كل الروايات الجديدة تتفق في أنها تسعى لكسر مفهوم الزمن، قياسا إلى الشكل المتعارف عليه في الرواية الكلاسيكية، بل يمثل التعامل مع الزمن في الرواية الجديدة أحد ملامح التمرد على سابقتها، فالوعي بالزمن فيها تطور عن الوعي به فيما مضى، حيث كانت الرواية الكلاسيكية تتعامل مع الزمن، إما من البداية إلى النهاية، أو من النهاية إلى البداية (الفلاش باك)، أو البدء من الحدث المركزي والتحرك بطريقة (القطع المتوازي) إلى الوراء تارة، وإلى الأمام تارة أخرى. ويبين المؤلف، أن الرواية الجديدة يمثل الزمن بالنسبة لها هاجساً فعلياً، وهي تحاول كسره دائما، ما يبدو مع بعضها كما لو كان الزمن مغيباً، أو مرتبكاً، أو مهمشاً، فلا يسير الزمن على نسق متعارف عليه، بل يضم في بعض الأحيان، لحظات زمنية متجاورة، أو متوازية، ويضم في الأخرى لحظات زمنية غير متسقة يجمع بينها منطق السرد ذاته، وفى أحيان ثالثة يأتي الزمن في دورات متسارعة تكتمل لتبدأ دورة جديدة، وهكذا على الدوام تتفق غالبية الروايات الجديدة في عدم وجود الزمن الخطي المتنامي، والسعي إلى كسر قدسية النظرة التي كانت تتعامل مع الزمن، بوصفه خطوطاً مستقيمة فقط، ليست متعرجة، ولا دائرية، وليست بنية وهمية زائفة، كما يشتغل عليها الوعي الفلسفي المعاصر.
وركز في مستويات توظيف الجسد في الرواية الجديدة، على منظور الإمتاع، كحيلة لجذب المتلقي، وإجباره على الاستمرار في تلقي العمل، وهو منظور قديم تجلى في الأدب الصوفي (شعره ونثره)، حيث تم الاعتماد على الجسدي والجنسي على وجه الخصوص، بوصفه ركيزة للتجربة العرفانية والارتقاء في المدارج الإلهية، وتجلى في حكايات ألف ليلة وليلة، وفى منجز الرواية العربية والعالمية، غير أن مستويات استخدامه تعددت عبر هذه الأنواع والسرود، وتعددت بدورها مع الرواية الجديدة، حيث كانت قبلا مع كل هذه الأنواع من منطلق كشف الأسرار والحجب، واختراق ما وراء الجدران، ولكنها في الرواية الجديدة تنطلق من ما هو بعد ذلك جميعه، فتنطلق ليس من منظور المنع والتحريم، وإنما من منطلق أن ذلك واقع يحدث، أو يمكن أن يحدث على الدوام، إن لم يكن يحدث في كل لحظة، وفي مكان ما من العالم. وربما أسهم في ذلك الانفتاح المعرفي وتطور وسائل الاتصال والانفجار التكنولوجي، الذي أتاح لكل من يريد أن يشاهد ذلك، إما عبر مواقع الإنترنت المتخصصة في ذلك، أو عبر القنوات الفضائية المفتوحة. وهنا تصبح الرواية تعبيراً عن تطور العصر في منظوره للجسد،من كونه المخفي على الدوام، والغائب بصورته، لكونه الحاضر القابل للتحقق، ويصبح ليس مجرد الكشف عن الجسد هو الحلية، وإنما الكشف عن تنويعات الجسد، والقدرة على رسم مشاهدة الفارقة هو الحلية. وتأتى في مقدمة ذلك روايات، منها: «مسألة وقت» لمنتصر القفاش. ويخلص المؤلف إلى أن الأجناس الأدبية قد بدأت، منذ زمن بعيد، في تحولاتها مع مسألة التجنيس الأدبي، وأصبحت تتماس فيما بينها، وتتبادل التقنيات، وبات يستعين جنس أدبي ما بخصائص جنس آخر، وأصبح التبادل في التقنيات يتم من حقل أدبي إلى آخر مجاور، ليغدو من مقتنياته، أو جزءاً من نسيجه وآليات كتابته. فاللغة في تشكلها الأدبي كمكون أساس لكل من الشعر والمسرح والرواية والقصة، واللغة في ذاتها تحمل أبعادها وتشكيلاتها الجمالية التي قد ينتمي بعضها إلى الشعر، وبعضها إلى الرواية وبعضها إلى المسرح، إلا أن هذا الانتماء ليس نهائياً (لا يمكن تجاوزه)، وإنما هو انتماء جمالي قد يتغير من عصر إلى آخر، ومن بيئة إلى بيئة بحسب عامل التلقي الذي يمثل مكوناً أساسياً من مكونات تحديد الجمالي، ومن هنا فإن ما يتم تحديده اليوم على أنه من سمات الشعر، ربما في الغد القريب يصبح من ماهيات السرد، وهكذا، وتبعاً لطبيعة الأدب الذي يسعى دوماً إلى التجريب، ومن ثم التطوير المستمر وتحديث الآليات.
الكتاب : الرواية الجديدة .. قراءة في المشهد العربي المعاصر
تأليف: د.محمود الضبع
الناشر: المجلس الأعلى للثقافة بمصر
‬2010 الصفحات: ‬232 صفحة
القطع: المتوسط

    شارك

    Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More